مقال ... اعوجاج العمود الفقري
د. يسري الهواري
يصيب اعوجاج العمود الفقري أكثر من 5% من الأطفال في مرحلة الشباب، وخطورة الإصابة بهذا المرض هي أنها تؤثر في الشكل الخارجي للظهر وينتج عنه الحدب، وإذا ترك هذا التشوه من دون علاج فإنه يؤثر تأثيرا بالغا في شكل ووظيفة العمود الفقري.
وينتج عن اعوجاج العمود الفقري ألم بالظهر وتدهور في درجة الاعوجاج مع الضغط على الرئة والقلب، هذا إلى جانب الحالة النفسية السيئة للمريض، والتقليل من فرصة العمل والاندماج بالمجتمع والزواج وغيره من المشاكل الاجتماعية التي تحيط بالمصاب.
أما أسباب هذا المرض فهي عديدة، من بينها العيوب الخلفية في تكوين الفقرات وشلل الظهر وأمراض الأنسجة الرخوة. ويبقى السبب الأساسي في نحو 85% من الحالات هو الانحناء التلقائي وينجم عن إفراز الميلاتونين أو خلل بالجينات.
ويحدث هذا المرض انحناء بالعمود الفقري وخصوصا الناحية اليمنى لدى البنات، أما عند الأولاد فيكون الانحناء في الناحية اليسرى، وينتج عن ذلك اختلاف مستوى الكتفين والوسط، وظهور واضح للضلوع في ناحية واحدة مما يعطي شكل الحدب مثل (أحدب نوتردام).
إن التشخيص المبكر لهذا المرض يمثل حجر الزاوية في العلاج، وذلك لأن ظهور هذا المرض يحدث عند بدء سن البلوغ وهو إحدى عشرة سنة لدى البنات وثلاثة عشر عاما لدى الأولاد.
اما العلاج الأولي لاعوجاج العمود الفقري فيشمل العلاج بالتمرينات الرياضية، وارتداء الأحزمة الطبية، والمتابعة الدورية، وفي حالة وجود الانحناء في حالات من 40 درجة فيكون التدخل الجراحي هو الحل الأمثل.
ورغم وجود قصور في معرفة سبب الاعوجاج فإن التقدم المبهر في التدخل الجراحي لإصلاح هذا الاعوجاج يفوق كل التصور.
وفكرة إصلاح الاعوجاج تأتي من فكرة التقويم في الزراعة والأشجار وكذلك تقويم الأسنان، ويتم فيه ربط العمود الفقري إلى أعمدة بواسطة مسامير وخطاطيف وسلوك معدنية، وقد حدثت طفرة كبيرة بهذه الأجهزة خلال السنوات العشر الماضية.
وبرغم كل هذا التقدم فإنه لا يزال هناك خوف بين المرضى وأولياء الأمور من الآثار الجانبية لهذه الجراحة مثل الشلل السفلي، ومضاعفات نقل الدم وتلوث الجروح، وعدم الإصلاح الكامل للاعوجاج، وقد تسبب ذلك في إحجام كثير من المرضى عن إجراء هذه الجراحة مما يعرضهم لآثار جانبية مثل تدهور الاعوجاج وآلام الظهر والتأثير على وظائف التنفس والقلب والآثار النفسية السيئة.
وهناك ألف ولد وبنت، حصيلة إجراء هذه الجراحة، بالطرق الحديثة، يمثلون صورة حية للنتائج العالمية لمثل هذه الجراحات، والتي يتم تصنيفها بالخارج على قمة الجراحات، وقبل جراحة القلب المفتوح وزراعة الأعضاء وهذه حالات تم إصلاح الاعوجاج بنسبة تفوق ال90% وبدرجة أمان كاملة ومضاعفات جانبية محدودة للغاية في أكثر من ألف حالة، حيث تمت عودة هؤلاء البنات والأولاد إلى دراستهم بعد الجراحة بأسبوعين فقط وكانت قد تلاشت جميع آثار هذا المرض سواء التشوه الظاهري أو الحالة النفسية للمريض وأسرته.
ان التقدم الذي حدث في هذه الجراحة خلال العقدين الماضيين وفي مصر حاليا أكثر من 25 جراحا قام بتدريبهم على جراحة العمود الفقري وأصبحوا في مستوى عالمي من الأداء مكنهم من اعتلاء مكانة رفيعة في هذا التخصص سواء بانجلترا أو الدول العربية.
وعن التخدير في مثل هذه الجراحات فانه بعد التطورات الحديثة في علوم التخدير لم تعد هناك خطورة من إجراء هذه الجراحات المتقدمة، فالمريض يتم تخديره بواسطة ما يمكن وصفه بالعقاقير الذكية التي تحدث تأثيرها من دون مضاعفات ويتم التخلص منها في الجسم بمجرد التوقف عن إعطائها للمريض، كذلك تتم ملاحظة جميع وظائف الجسم الحيوية بواسطة أجهزة ملاحظة مزودة بكمبيوتر لضمان إبقائها في معدلاتها الطبيعية.
أستاذ جراحة العظام والعمود الفقري- طب القاهرة
عضو الجمعية البريطانية ورئيس الجمعية الأمريكية لتشويه العمود الفقري